|

لماذا نركض دون أن نعرف السبب؟

لماذا نُلاحق أشياء لا نعرف لماذا نُريدها؟
لحظة صدق مع الذات

هل حدث أن لاحقت شيئًا بكل حماسك،
ثم عندما حصلت عليه… لم تشعر بالرضا الذي كنت تتوقّعه؟
هل وجدت نفسك تتّخذ قرارات سريعة، فقط لأن شيئًا ما شدّك؟
هل شعرت أن حياتك أحيانًا تمتلئ بالحركة… لكن بلا اتجاه داخلي واضح؟

هذا المقال هو دعوة للتوقّف، للإنصات، وللاختبار الصادق مع الذات.
لنفهم لماذا نلاحق أشياء لا نعرف إن كانت تُشبهنا، أو نحتاجها فعلًا.

أولًا: الانجذاب لا يعني بالضرورة أن هذا ما تحتاجه

قد تسمع فكرة، ترى منتجًا، تلمح هدفًا… وتجد نفسك فجأة مشدودًا نحوه.
لكن السؤال الحقيقي:

هل ما يجذبك فعلًا يُشبهك؟
أم أنك تُلاحقه فقط لأنه يُغريك… أو يُلهيك؟

في بعض الأحيان، الانجذاب لحظة، لكنه ليس دعوة حقيقية.
قد يكون صوت الحاجة إلى الإلهاء، لا صوت الوعي.



ثانيًا: الاستعجال ليس دائمًا علامة على الجاهزية

الرغبة الملحّة لا تعني بالضرورة أنك جاهز.
أحيانًا نشعر أننا “نريد شيئًا بشدّة”،
لكن في الحقيقة… لم ننضج بعد لتلقّيه، أو لا نمتلك الأساس الداخلي لتحمّله.

هل هذا القرار نابع من عمق داخلي؟
أم أنه مجرّد ردة فعل عاطفية؟
هل هذا الوقت مناسب؟
هل أنا متكامل مع ذاتي بما يكفي لأعيشه بسلام؟

الاندفاع في بعض الأحيان ليس شجاعة، بل هروب مغلّف بالشغف.

ثالثًا: الفراغات الداخلية تُنتج لهاثًا خارجيًا

قد نظن أن “الشيء الفلاني” – وظيفة، علاقة، شهرة، ممتلك – هو ما سيملأ فراغنا،
فنركض وراءه بكل الطاقة المتاحة.

لكن… بعد الوصول؟
قد نشعر بخيبة، أو نكتشف أن ما كنا نبحث عنه… لم يكن هذا الشيء، بل شعورًا مفقودًا في الداخل.

مثلاً:

تقول: “أريد هذه العلاقة”
لكن داخلك يقول: “أشعر بالوحدة، وأبحث عمّن يملؤها”
تقول: “أريد هذه الوظيفة”
لكن داخلك يقول: “أريد أن أشعر بالأمان والاعتراف بقيمتي”


رابعًا: اسأل نفسك بصدق… ما الذي أبحث عنه فعليًا؟

قبل أن تُلاحق أي هدف أو قرار، خُذ لحظة وكن صادقًا:

لماذا أريد هذا الشيء؟
ما الذي يُمثّله لي؟ أمان؟ حب؟ سلطة؟ متعة؟
ماذا سيحدث إن لم أحصل عليه؟ هل سأنهار؟ أم سأكون بخير؟

عندما تتكشّف النية الحقيقية… تتكشف الحرية.
حرية الاختيار، وحرية أن تقول: “أنا لا أحتاج هذا الآن.”


خامسًا: الوعي ليس حرمانًا… بل تحرّرًا

الوعي لا يعني أن تُنكر رغباتك، أو تحرم نفسك منها.
الوعي يعني أن تعرف لماذا تريدها، ومن أي مكان داخلي تنبع هذه الرغبة.

أن تختار بعين مفتوحة
أن تتحرك بصدق لا بدافع
أن تنصت لصوتك لا لصوت الإغراء اللحظي

أن تفعل الشيء لأنك تريده فعلًا… لا لأنك تهرب من ألم لا تعرف كيف تواجهه.

تذكر أن…

ليس كل ما تريده… هو ما تحتاجه
وليس كل ما يلمع… هو إشارتك الحقيقية
وليس كل اندفاع… قرار ناضج

خُذ لحظة لتسمع نفسك،
افتح مساحة للنية الصادقة كي تظهر،
واختر من مكان وعي… لا من شعور مؤقت أو فراغ داخلي.

حين تختار من مكان صادق… تشعر بالخفة.
وحين تختار من مكان هروب… يبقى كل شيء ثقيلًا، حتى بعد الوصول.

Similar Posts

  • |

    الفرق بين الحاجة والرغبة

    الفرق بين الحاجة والرغبة نظرة في هرم ماسلو للاحتياجات: كيف نفهم ذواتنا من الداخل؟ في رحلة اكتشاف الذات، يمرّ الإنسان بلحظات يتساءل فيها:هل ما أفعله الآن تلبية لحاجة حقيقية؟أم أنّه مجرّد رغبة لحظية أحاول من خلالها أن أهرب، أو أُسَكّن شعورًا ما؟ الفهم العميق لهذا الفرق ليس مجرد تمرين فكري،بل هو خطوة أساسية لفهم قدراتنا،…

  • |

    احترام الذات والانضباط

    احترام الذاتالثمرة الناضجة للانضباط الداخلي نسمع كثيرًا عن أهمية “احترام الذات”،لكن قلّما نُدرك أن هذا الاحترام ليس شعورًا لحظيًا، ولا مجرّد كلمات إيجابية نردّدها أمام المرآة،بل هو ثمرة عميقة… لا تنمو إلا في تربة الانضباط الذاتي. “الشعور بالكرامة لا يأتي من الخارج، بل من قدرتك على قول: لا.” لا لما يُقلّلك. لا لما يُؤذيك. لا…

  • |

    هل تشتري الحبّ؟

    علامات واضحة تحتاج وعيًاهل تشتري الحبّ دون أن تدري؟ الحبّ ليس شيئًا يُشترى،لكنه أحيانًا يتحوّل – بدون وعي – إلى صفقة مشاعر يدفع فيها أحد الطرفين الكثير…في سبيل أن يُحَبّ، أو يُقبل، أو يشعر بأنه “كافٍ”. إذا وجدت نفسك دائمًا تبذل أكثر مما تأخذ،وإذا شعرت بأنك تحاول كسب الحبّ بدلاً من أن تعيشه…فربما حان وقت…

  • |

    الأنا مقابل الذات الحقيقية

    لا تدع الأنا تشوّش بوصلتك الفرق بين الأنا والذات الحقيقية في عالم النفس والتحليل الذاتي، يُعَدُّ التمييز بين “الأنا” و”الذات الحقيقية” من المفاهيم الأساسية لفهم سلوكياتنا وتفاعلاتنا مع الآخرين. فبينما تُعتبر “الأنا” تمثيلاً للذات الزائفة، تعمل “الذات الحقيقية” كمركز للوعي الحقيقي والتوازن الداخلي.​ الأنا: قناع الدفاع والهوية الزائفة تُعَرَّف “الأنا” بأنها تمثيل للذات الزائفة، تتشكل…

  • |

    العلاقة الأولى

    العلاقة الأولىالأساس الذي تُبنى عليه كل العلاقات في خضمّ سعينا لبناء علاقات ناجحة مع الآخرين، كثيرًا ما نُغفل عن العلاقة الأهم، العلاقة التي تُشكّل الجذر لكل ما يأتي بعدها: علاقتنا مع أنفسنا! هذه العلاقة ليست رفاهية.ليست موضوعًا للتنمية الذاتية فقط،بل هي الأساس النفسي والعاطفي الذي يُحدّد كيف نحب، كيف نتفاعل، وكيف نسمح للآخرين بأن يعاملونا….

  • |

    علاقة الصدمة

    علاقة الصدمة١٢ علامة تدل على أنك تعيش علاقة صدمة بعض العلاقات تكون متعبة لدرجة إنها تتحوّل إلى دوامة نفسية…مش لأن الطرف الآخر سيء فقط،بل لأنك تعيش نوع من التعلّق المرضي نتيجة لدائرة من الألم والحنان المتقطّع.هاي هي علاقة الصدمة: الحب ممزوج بالخوف، والاهتمام متبوع بالإساءة. فيما يلي شرح مفصّل لكل علامة من علامات هذا النوع…

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *